
البيانات هي النفط الجديد وقطاع الطاقة يدرك ذلك
في عام 1933، عندما وقع الملك عبدالعزيز بن سعود اتفاقية الامتياز التي سمحت للجيولوجيين الأمريكيين بالتنقيب عن النفط في المملكة العربية السعودية، استغرق الأمر خمسة عشر عاماً قبل أن يعثروا على النفط الخام في البئر الشهير الآن، بئر الدمام رقم 7 في عام 1938. لكن مع أدوات الذكاء الاصطناعي المتطورة ورسم الخرائط الرقمية اليوم، كان من الممكن تقليص هذه الفترة الزمنية إلى بضعة أشهر أو حتى أسابيع.
هذا هو نوع التأثير الذي بدأ الذكاء الاصطناعي في إحداثه على قطاع النفط والغاز العالمي. عبر الصناعة، من الاستكشاف والإنتاج إلى الأهداف المستقبلية مثل إزالة الكربون وانتقال الطاقة، يُنظر إلى الذكاء الاصطناعي كحل تحويلي.
في مؤتمر سيراويك هذا العام في هيوستن، أحد أكبر تجمعات صناعة الطاقة، هيمن الذكاء الاصطناعي على المناقشات. تم تخصيص ما يقرب من ربع جميع الجلسات للتحول الرقمي، وظهر هذا الموضوع في كل جلسة تقريبًا، مما يعكس تأثيره المتزايد على القطاع.
لا يوجد مكان يظهر فيه هذا الحماس بشكل أكثر وضوحًا من منتجي النفط في الخليج العربي.
شرح الدكتور سلطان الجابر، الرئيس التنفيذي لشركة أدنوك، كيف يُحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في العمليات: “أصبحنا الآن قادرين على تقليل وقت تحليل البيانات الزلزالية من أشهر إلى ساعات قليلة. توقعات إنتاجنا أكثر دقة بنسبة تصل إلى 90%، ونحن في طريقنا لجعل أدنوك شركة الطاقة الأكثر اعتمادًا على الذكاء الاصطناعي في العالم”.
وبالمثل، وصف أمين الناصر، الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو، الذكاء الاصطناعي بأنه “عامل تمكين يغير قواعد اللعبة” للصناعة.
تدعم كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة هذه التصريحات باستثمارات ضخمة. تقوم شركات النفط الوطنية ووزارات الطاقة بدمج الذكاء الاصطناعي ليس فقط لتحسين الاستكشاف والإنتاج، ولكن أيضًا لوضع نماذج أفضل للطلب على الطاقة، وتقليل المخاطر، والتنبؤ بأسعار السوق بدقة أكبر.
في مؤتمر سيراويك، أبرز المتحدثون كيف يمكن للذكاء الاصطناعي معالجة مجموعات البيانات الضخمة — من أنظمة الطقس وبيانات الشحن إلى المؤشرات الاقتصادية العالمية وحتى نشاط وسائل التواصل الاجتماعي — لإنتاج تنبؤات سوقية سريعة ومتطورة تتفوق على الطرق التقليدية.
قد يبدو الأمر وكأنه خيال علمي، لكن بالنسبة لدول الخليج، فإن سوق النفط المدفوع بالذكاء الاصطناعي ليس مجرد احتمال — بل هو جزء من استراتيجية أكبر للتطور من مصدِّري الطاقة إلى قادة في البيانات والتكنولوجيا.
كلا البلدين يدمجان الذكاء الاصطناعي في أجندات التنمية الوطنية. إنهما لا يستخدمانه فقط لتعزيز العمليات ولكن أيضًا لاكتساب مزايا تنافسية في تجارة السوق ونماذج التسعير، مع إمكانية التأثير على المعايير العالمية.
يثير هذا سؤالاً رئيسياً: هل ستقبل الأسواق العالمية نماذج التسعير التي تولدها أنظمة الذكاء الاصطناعي المطورة في الخليج؟ هل تروج هذه الدول لمصالحها فقط، أم أن خبرتها التي استمرت لعقود في أسواق النفط تمنحها ميزة فريدة يمكن للذكاء الاصطناعي تضخيمها الآن؟
بغض النظر عن ذلك، فإن الإمكانات لا يمكن إنكارها — وليس فقط لتأثير الذكاء الاصطناعي على الطاقة، بل لدور قطاع الطاقة في تغذية طفرة الذكاء الاصطناعي نفسها.
كان أحد الموضوعات الرئيسية الأخرى في مؤتمر سيراويك هو الطلب المتزايد على الطاقة من الذكاء الاصطناعي. تشير بعض التوقعات إلى أنه بحلول العام المقبل، يمكن أن تستهلك مراكز البيانات العالمية من الكهرباء سنويًا ما يعادل استهلاك اليابان.
هنا يأتي دور الخليج مرة أخرى، ليس فقط من خلال الحفاظ على إمدادات مستقرة من الهيدروكربونات، ولكن من خلال الاستثمار بنشاط في البنية التحتية التي تدعم نظام الذكاء الاصطناعي.
تعكس استثمارات التكنولوجيا الحديثة التي تبلغ مليارات الدولارات من صندوق الاستثمارات العامة السعودي وشركة MGX للتكنولوجيا الجديدة في أبوظبي هذه الاستراتيجية المزدوجة: الحفاظ على الريادة في مجال الطاقة مع تسريع التطوير التكنولوجي.
لم يعد الذكاء الاصطناعي حكرًا على وادي السيليكون. أصبح ضروريًا للطاقة — وخاصة في الخليج، حيث ترى الحكومات أنه محوري للنمو الاقتصادي المستقبلي.
في عام 2017، أعلنت ذي إيكونوميست أن “البيانات هي النفط الجديد”. في ذلك الوقت، رفض البعض هذه الفكرة. لكن اليوم، في عالم تشكله الأوبئة والتحولات الجيوسياسية وأهداف المناخ، يبدو ذلك العنوان أكثر نبوءة من أي وقت مضى.
اترك تعليقاً