حواسيب الدماغ البشري: مستقبل الحوسبة الحيوية
في بلدة سويسرية هادئة بالقرب من بحيرة جنيف، يعمل العلماء على إنشاء نوع جديد من الحواسيب — حاسوب يعمل على خلايا دماغية حية. تستخدم حواسيب الدماغ البشري هذه مجموعات من الخلايا العصبية التي يمكنها استقبال وإرسال الإشارات الكهربائية، وتنفيذ مهام معالجة المعلومات الأساسية بشكل مماثل للآلات الرقمية.
ما هي حواسيب الدماغ البشري؟
أجهزة الكمبيوتر ذات الدماغ البشري—والمعروفة أيضًا باسم الحواسيب الحيوية أو أنظمة الأجهزة الرطبة—تستخدم خلايا عصبية بشرية حقيقية نمت من الخلايا الجذعية. تشكل هذه الخلايا العصبية شبكات صغيرة قادرة على التواصل من خلال النبضات الكهربائية. على عكس الرقائق السيليكونية التي تحاكي نشاط الدماغ، تستخدم هذه الأنظمة أنسجة بيولوجية حقيقية، مما يوفر لمحة عن مستقبل يمكن فيه لأجهزة الكمبيوتر التفكير والتعلم بشكل أكثر عضوية.
يعتقد الباحثون أن هذه الأنظمة العصبية يمكن أن تضاهي أو حتى تتفوق على الذكاء الاصطناعي والحواسيب الكمية في الكفاءة والقدرة على التكيف. تكمن ميزتها الرئيسية في الكفاءة غير المسبوقة للدماغ في استهلاك الطاقة: يعمل الدماغ البشري بقدرة 20 واط تقريبًا أثناء إجراء عدد هائل من العمليات الحسابية—وهو ما يتطلب ملايين الواط في الحواسيب الفائقة التقليدية.
كيف تعمل حواسيب الدماغ البشري
تبدأ العملية بـ الخلايا الجذعية متعددة القدرات المستحثة (خلايا iPS)، التي يعيد العلماء برمجتها إلى خلايا عصبية. ثم توضع هذه الخلايا الدماغية على مصفوفات من الأقطاب الكهربائية التي تعمل كجسر بين الأنظمة البيولوجية والرقمية. ترسل الأقطاب الكهربائية إشارات كهربائية متحكم بها وتسجل استجابات الخلايا، مما يتيح للباحثين “التواصل” مع الشبكة العصبية.
تقوم بعض الفرق بتنمية الخلايا العصبية في تجمعات ثلاثية الأبعاد تسمى عضيات، بينما يفضل البعض الآخر المزارع المسطحة للتحكم والشفافية بشكل أفضل. في كلتا الحالتين، الهدف هو تعليم هذه الخلايا كيفية أداء المهام المنطقية أو الحسية، مثل التعرف على الأنماط أو تفسير الإشارات.
اختراقات حديثة
جاء أحد الاختراقات من باحثين في جامعة بريستول، الذين دربوا العضيات الدماغية على التعرف على حروف برايل. تلقت العضيات أنماطًا كهربائية تمثل حروفًا مختلفة وأنتجت استجابات متميزة وقابلة للتكرار. عند دمجها، حسنت العضيات المتعددة الدقة إلى أكثر من 80%، مما يثبت أن التجمعات العصبية يمكنها معالجة المعلومات وتصنيفها.
طورت شركة أخرى، كورتيكال لابز في أستراليا، نظامًا نمطيًا من الخلايا العصبية المستزرعة التي يمكنها تعلم لعب لعبة بونج. من خلال مكافأة الاستجابات الصحيحة بأنماط كهربائية منظمة ومعاقبة الأخطاء بضوضاء عشوائية، تحسنت الخلايا العصبية تدريجياً في طريقة لعبها — وهو عرض أساسي للتعلم والذاكرة.
أعمال الحوسبة الحيوية
قامت الشركة الناشئة السويسرية فاينال سبارك بتسويق هذه التقنية من خلال توفير الوصول عبر الإنترنت إلى أنظمة خلايا الدماغ الخاصة بها. يمكن للباحثين الأكاديميين استئجار وقت لإجراء التجارب، بينما يمكن للشركات الاشتراك للحصول على وصول حصري بحوالي 5,000 دولار شهريًا. تبيع فاينال سبارك أيضًا نماذج حوسبة حيوية متقدمة للعملاء الذين يستكشفون تطبيقات الذكاء الاصطناعي والروبوتات وعلوم الأعصاب.
في غضون ذلك، أطلقت كورتيكال لابز أول حاسوب بيولوجي في العالم، CL1، بسعر 35,000 دولار. يتيح للمستخدمين إرسال الأوامر وتحليل الاستجابات وحتى تصميم أنظمة تحكم في الوقت الفعلي تعمل بواسطة خلايا عصبية حية. يستكشف بعض المطورين استخدامات إبداعية، من برامج الموسيقى التكيفية إلى الألعاب التجريبية.
التحديات والمخاوف الأخلاقية
رغم الحماس، يحث الخبراء على توخي الحذر. يحذر بعض العلماء، مثل عالمة الأحياء التنموية
يشكك النقاد أيضًا فيما إذا كانت التجارب الحالية تظهر حوسبة حقيقية أم مجرد سلوك تفاعلي. يجادلون بأن حلقات التغذية الراجعة البسيطة يمكن أن تحاكي التعلم دون ذكاء حقيقي. آخرون، مثل عالم الأعصاب أليسون موتري، يظلون متفائلين، معتقدين أن العضيات تمثل أساس عصر جديد في الحوسبة — عصر يدمج بين البيولوجيا والتكنولوجيا.
الطريق إلى الأمام
حتى الآن، لا تزال حواسيب الدماغ البشري تجريبية. إنها ليست جاهزة لاستبدال المعالجات التقليدية، لكن إمكاناتها لا يمكن إنكارها. يهدف العمل المستقبلي إلى تدريب الأنظمة العصبية على صنع القرار الأكثر تعقيدًا والتطبيقات الواقعية مثل التحكم في الروبوتات وتفسير البيانات والنمذجة البيئية. مع استمرار العلماء في تحسين أساليبهم، هناك شيء واحد مؤكد: الحدود بين الذكاء البيولوجي والحوسبة الآلية تتلاشى. قد تعيد حواسيب الدماغ البشري قريبًا تعريف ليس فقط كيفية معالجة المعلومات، ولكن أيضًا ما يعنيه “التفكير” في العصر الرقمي.



