لقد حانت لحظة الخليج لقيادة الذكاء الاصطناعي

أدى الصعود السريع للذكاء الاصطناعي التوليدي إلى موجة عالمية من الابتكار، مدعومة باستثمارات كبيرة من القطاعين العام والخاص. يأتي هذا الزخم المتصاعد في وقت يشهد توترات جيوسياسية وتقلبات اقتصادية، بدءًا من تحولات السياسة الخارجية الأمريكية وتصاعد المنافسة الأمريكية الصينية وصولاً إلى الحرب في أوكرانيا.

وسط هذه الحالة من عدم اليقين العالمي، تمتلك دول الخليج — ولا سيما الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر — نافذة فرص فريدة. فبفضل علاقاتها الاستراتيجية التي تمتد بين الشرق والغرب، تحتل هذه الدول مكانة مثالية لتصبح حلقات وصل عالمية في تشكيل مستقبل الذكاء الاصطناعي.

رؤية واضحة تتجاوز النفط

منذ سنوات، تعمل دول الخليج بنشاط على تنويع اقتصاداتها بعيدًا عن النفط. وتقع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والبيانات في صميم رؤاها الوطنية. ووفقًا لشركة برايس ووترهاوس كوبرز، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساهم بما يصل إلى 135 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة العربية السعودية بحلول عام 2030 — وهو رقم يؤكد حجم التأثير المحتمل.

تسلط المشاريع العملاقة مثل نيوم في المملكة العربية السعودية واستثمارات البنية التحتية السحابية واسعة النطاق — بما في ذلك مبادرة أمازون ويب سيرفيسز البالغة 5.3 مليار دولار — الضوء على هذا التحول الاستراتيجي. وفي الإمارات العربية المتحدة، تمثل مؤسسات مثل جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي التزامًا قويًا بالتنمية المدفوعة بالتكنولوجيا.

حان الوقت الآن لمضاعفة هذه الجهود والتركيز على بناء قدرات سيادية ومستقبلية في مجال الذكاء الاصطناعي والبيانات.

أساسات نظام بيئي مزدهر للذكاء الاصطناعي

للريادة في عصر الذكاء الاصطناعي، يجب على دول الخليج التركيز على عدة ركائز مترابطة:

1. بنية تحتية للابتكار
يجب أن تنتج الحاضنات والمسرعات شركات ناشئة قابلة للتوسع قادرة على النمو عبر الحدود. تقدم برامج مثل مسرعات دبي للمستقبل نماذج واعدة، لكن التنسيق الإقليمي أمر أساسي لتحقيق تأثير أوسع.

2. الشركات الناشئة المحلية
هناك حاجة لتعزيز دعم المشاريع التكنولوجية المحلية، خاصة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي للغة العربية والروبوتات وتقنيات المناخ. تعتبر الشركات الناشئة مثل بيان باي (السعودية) وفيتشر (الإمارات) أمثلة على الابتكار المحلي — ومع ذلك، هناك حاجة إلى أنظمة بيئية أكثر قوة لرعاية المواهب الناشئة وتقليل الاعتماد على الخبرات الأجنبية.

3. التنظيم والسياسات
يعد النهج التنظيمي المرن نسبيًا في الخليج ميزة. ومع ذلك، فإن الاتساق أمر حيوي. في حين أن إرشادات أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في الإمارات تمثل تقدمًا، يجب أن تكون الأطر الإقليمية شفافة وموثوقة ومتوافقة مع المعايير العالمية لدعم الابتكار عبر الحدود.

4. التعليم وتنمية المواهب
بوجود مجتمعات شابة، تمتلك دول الخليج ميزة ديموغرافية. إن تدريب المبرمجين بداية جيدة، كما يتضح من خطة الإمارات لتدريب 100,000 مبرمج، لكن تنمية الباحثين رفيعي المستوى وعلماء البيانات ورواد أعمال الذكاء الاصطناعي أمر ضروري. تعمل مؤسسات مثل جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) على تعزيز هذا الهدف، لكن يجب بذل المزيد لتمكين المواهب المحلية.

5. الوصول إلى رأس المال
على الرغم من امتلاك بعض أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم، فإن جزءًا صغيرًا فقط يدعم حاليًا الشركات التكنولوجية الناشئة. يجب أن يتغير هذا. إن إتاحة رأس المال للمراحل المبكرة وتشجيع الشراكات بين الحكومات والمستثمرين والقطاع الخاص أمر بالغ الأهمية للتحول الحقيقي.

6. البيانات وقوة الحوسبة
مع وفرة الطاقة المتجددة وموارد الأراضي، تحتل المنطقة موقعًا جيدًا لتطوير بنيتها التحتية السحابية الخاصة. في حين أن استثمارات AWS وGoogle Cloud تشير إلى إمكانات قوية، يجب أن يكون الهدف هو الانتقال من مستهلكي السحابة إلى منشئي السحابة.

7. التميز البحثي
للمنافسة عالميًا، يجب على دول الخليج الاستثمار في أبحاث الذكاء الاصطناعي الأساسية. تنتج جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي بالفعل مواهب متميزة، لكن هناك حاجة إلى المزيد من مراكز البحث — تلك التي تحقق اختراقات أصلية، وليس مجرد تكييف التقنيات الموجودة.

8. التعاون الإقليمي
بشكل فردي، أحرزت دول الخليج تقدمًا جديرًا بالثناء. لكن العمل معًا يمكن أن يضاعف تأثيرهم. يمكن أن تضع مشاريع الحوسبة الفائقة المشتركة، والبحوث التعاونية في مجال الذكاء الاصطناعي للغة العربية، واللوائح الموحدة المنطقة كقوة حقيقية في الذكاء الاصطناعي.

الذكاء الاصطناعي كمحفز للنمو الاقتصادي

لا يؤدي الاستثمار في الذكاء الاصطناعي إلى تعزيز قطاع واحد فقط — بل يحفز النمو في جميع المجالات، من الخدمات اللوجستية والتعليم إلى السياحة والرعاية الصحية. كما أنه يخلق فئات وظيفية جديدة تمامًا، مثل مسؤولي أخلاقيات الذكاء الاصطناعي ومهندسي التوجيه (prompt engineers).

للاستفادة الكاملة من هذا التحول، يجب على دول الخليج إعادة التفكير في كيفية إعداد قواها العاملة، وتزويدهم بالمهارات والعقلية المناسبة لمستقبل العمل.

الوقت هو الآن

لا تزال المنافسة العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي مفتوحة، ويمتلك الشرق الأوسط فرصة نادرة للتقدم. من خلال تعزيز القدرات الداخلية وإعادة تعريف الشراكات الدولية، يمكن للمنطقة أن تتحول من متبنية للتكنولوجيا إلى مبتكرة عالمية.

بالنسبة للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر، هذا هو الوقت المناسب لتكثيف طموحاتها وبناء اقتصادات مرنة قائمة على الذكاء الاصطناعي.

فرص مثل هذه تأتي مرة واحدة في كل جيل ويجب عدم تفويتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *